من بدائع
القصص النبوي الصحيح
محمد بن جميل زينو
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد فإن النفوس تحب القصص ، وتتأثر بها ، لذلك تجد في القرآن أنواعاً من القصص النافع ، وهو من أحسن القصص.
وكان من حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم أن اقتدى بكتاب ربه ، فقص علينا من الأنباء السابقة ما فيه العِبَر ، باللفظ الفصيح والبيـان العذب البليغ ، ويمتاز بأنه واقعي وليس بخيالي . ( وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) ، وإن بعض شبابنا قد مالوا إلى القصص الأجنبي الضار ، إذ أكثره جنسي مائع أو بوليسي مجرم ، يوقعهم في الفاحشة والانحراف كما يريده أعداء الإسلام .
لذلك كان واجباً على الكاتب الإسلامي أن يقدم نماذج من القصص الديني الصحيح ، فان فيها تهذيب الأخلاق ، وتقريب الشباب من الدين .
وإني أقدم نموذجاً من بدائع القصص النبوي ، وهي مختارة من الأحاديث الصحيحة ، وجعلتها على شكل حوار ، ومشاهد ، حتى كأنك ترى وقائع القصة أمامك ، وجعلت لكل قصة عبرة في آخرها للاستفادة منها ، فالله تعالى يقول : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) .
وأحب أن أنبه إلى أمور مهمة :-
شرحت بعض الكلمات التي تساعد القارئ على فهم القصة مثل : ( فلقيه) ، فقلت: (فلقي ضماد محمد صلى الله عليه وسلم) .
نقلت الفعل الماضي إلى الفعل المضارع ليرى القارئ القصة وكأنها أمامه .
حذفت كلمة ( قال) من النص استغناء عنها بذكر القائل أول السطر .
الكلام الذي بين المعقوفتين [ ] هو وصف لحالة القائل وهو من كلام المؤلف .
لا يفهم من هذا الحوار والمشاهد جواز عملية التمثيل ولا سيما تمثيل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ، وهو حرام .
والله أسأل أن ينفع بها المسلمين ، ويجعلها خالصة لله تعالى .
الغلام المؤمن والساحر
عن صهيب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(كان ملك فيمن كان قبلكم ، وكان لـه ساحر ، فلما كبر الساحر ، قال للملك ، إني قد كبرت فأبعث إلىّ غلاماً أعلمه السحر ، فبعث إليه غلاماً يعلمه ، فكان في طريقه إذا سلك راهب ، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه ، فكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب وقعد إليه ، فإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : إذا خشيت الساحر فقل : حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر) .
الغلام والأفعى :
(بينما الغلام سائر إذ رأى دابة عظيمة "أفعى" قد حبست الناس) .
الغلام (يخاطب نفسه) : اليوم أعلم ، الساحر أفضل أم الراهب ؟
الغلام (يأخذ حجراً) : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فأقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس . (يرمي الغلام الدابة فيقتلها ويمضي الناس) ، ( يأتي الغلام الراهب فيخبره) .
الراهب (متعجباً) : أي بني أنت اليوم أفضل مني ، قد بلغ من أمرك ما أرى ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدل عليّ .
الغلام يبرئ الأكمه ( الأعمى ) والأبرص) ويداوي الناس من سائر الأدواء ( الأمراض) .
الغلام والأعمى :
(يسمع جليس للملك كان قد عمي ، فيقدم للغلام هدايا كثيرة)
الأعمى (راجياً) : كل هذه الهدايا لك إن أنت شفيتني .
الغلام (مرشداً) : إني لا أشفي أحد ، إنما يشفي الله تعالى ، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك .
(يؤمن الأعمى فيشفيه الله تعالى) .
( يأتي الجليس الملك ، فيجلس إليه كما كان يجلس) .
الملك (متعجباً) : من ردَّ عليكم بصرك ؟
الجليس ( في فرح) : ربي .
الملك ( منكراً) : أو لك رب غيري .
الجليس ( في فرح) : ربي وربك الله .
(يأخذه الملك فلم يزل يعذبه حتى يدل على الغلام فيؤتي بالغلام) .
الملك ( مهدداً) : أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص ، وتفعل وتفعل .
الغلام : إني لا أشفي أحداً ، إنما يشفي الله تعالى .
تعذيب من آمن :
(يأخذ الملك الغلام ، فلا يزال يعذبه حتى دل على الراهب ، فجيئ بالراهب فقيل له : إرجع عن دينك فيأبى ، فيدعو الملك بالمنشار ، فيضع المنشار في مفرق رأسه فيشقه به حتى يقع شقاه على الأرض) .
ثم يجيئ بجليس الملك ، فقيل له : إرجع عن دينك فيأبى ، فيضع المنشار في مفرق رأسه فيشقه به حتى وقع شقاه .
الغلام يعذب :
(يؤتى بالغلام ، فيقال له : إرجع عن دينك ، فيأبى ، فيدفعه الملك إلى نفر من أصحابه)
الملك (غاضباً) : إذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به إلى الجبل فإذا بلغتم ذروته ، فإن رجع عن دينه ، والا فاطرحوه .
(يذهبون بالغلام ، ويصعدون به الجبل)
الغلام ( داعياً عليم : اللهم أكفينهم بما شئت .
( يرجف بهم الجبل فيسقطون ويجيئ الغلام يمشي إلى الملك ) .
الملك ( في حيرة ودهشة) : ما فعل أصحابك ؟
الغلام ( في شجاعة وإيمان) : كفانيهم الله تعالى ( يدفعه الملك إلى نفر من أصحابه)
الملك : أذهبوا به فأحملوه في قرقورة ( زورق) وتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه ، وإلا فأقذفوه ( يذهبون بالغلام) .
الغلام (داعياً) : اللهم أكفينهم بما شئت .
( تنكفئ بهم السفينة فيغرقون . ويجيئ الغلام إلى الملك يمشي ) .
الملك ( في قهر وخذلان) : ما فعل أصحابك ؟
الغلام ( في طمأنينة وثبات) : كفانيهم الله تعالى .
الغلام يضحي بنفسه :
الغلام ( للملك) : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به .
الملك ( في عجز ويأس) : وما هو ؟
الغلام : تجمع الناس في صعيد واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهماً من كنانتي ، ثم ضع السم في كبد القوس ، ثم قل : ( بسم الله رب الغلام) . ثم أرمني ، فإنك إذا فعلت ذلك تقتلني .
يجمع الناس في صعيد واحد ، ويصلب الغلام على جذع ، ثم يأخذ الملك سهماً من كنانة الغلام ، ثم يضع السهم في كبد القوس ثم يقول : ( بسم الله الرحمن الرحيم الله رب الغلام) ثم يرميه ، فيقع السهم في صدغه ، فيضع يده في صدغه في موضع السهم ويموت .
الناس ( يهتفون) : آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام .
(يجيئ الجند إلى الملك) .
الجند (في أسف) : أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد والله نزل بك حذرك ، قد آمن الناس .
الملك (في تحفظ) : إحفروا الأخدود (الخنادق) بأفواه السكك وأضرموا فيها النيران ، ومن لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها (أطرحوه) .
(الجند على أطراف الأخدود ، يعرضون الشعب المؤمن على النار ، ويعرضون عليهم أن يرجعوا عن دينهم ، فمن لم يرجع أوقعوه في النار ) .
على حافة النار إمرأة معها رضيع تخشى علي فتتردد ، وتتقاعس أن تقع في النار .
الرضيع (يقول) : يا أمه إصبري فإنك على الحق .
إحتراق الكفار :
قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) :
3 قال ابن جرير بعد ذكره قصة أصحاب الأخدود : وإنما قلت ذلك أولى التأويلين بالصواب للذي ذكرنا عن الربيع من العلة : وهو أن الله أخبر أن لهم عذاب الحريق مع عذاب جهنم ، ولو لم يكونوا أحرقوا في الدنيا لم يكن لقوله (ولهم عذاب الحريق) معنى مفهوم من إخباره أن لهم عذاب جهنم ، لأن عذاب جهنم هو عذاب الحريق مع سائر أنواع عذابهما في الآخرة .
6 قال القرطبي في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) : أي حرقوهم بالنار ، فلهم عذاب جهنم لكفرهم ، ولهم الحريق في الدنيا لإحراقهم المؤمنين بالنار .
وقيل (جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) أي ولهم في الآخرة عذاب زائد على عذاب كفرهم بما أحرقوا المؤمنين .
9 ذكر المفسر الألوسي نقلاً عن ابن جرير وغيره : إن الله بعض على المؤمنين ريحاً تقبض أرواحهم قبل الوصول إلى النار ، وأن النار خرجت فأحرقت الكفار الذين كانوا على حافتي الأخدود . ويدل لهذا قوله تعالى : ( قتل أصحاب الأخدود) ، وقوله تعالى : ( ولهم عذاب الحريق) .
من فوائد القصة :
3 كل مولود يولد على الفطرة ، فاقتضت الفطرة السليمة أن تكون مع الحق والخير دائماً وترفض الشر ، فوجهت الغلام نحو الخير حين سمع الحق من الراهب ونبذت الشر المتمثل في الساحر الكافر .
4 لا بأس بالكذب للنجاة من كيد الكافرين عند الضرورة .
5 علم الغلام بفطرته أن الحق مع الراهب ولكن أراد أن يقيم الحجة (مثل إبراهيم عليه السلام) حيث أقام الحجة على قومه .
6 الدعاء إلى الله أن يظهر له الحق ويبين له وجه الصواب ويقطع الشك باليقين ، وهذا شأن المؤمن يلجأ إلى الله دائماً لحل مشاكله .
7 إماطة الأذى عن الطريق وتخليص الناس من كرب وقعوا فيه ، مشروع ومطلوب يؤجر المسلم عليه ، كما صرحت بذلك الأحاديث .
8 المؤمن الصادق هو الذي ينسب فعل الكرامة إلى الله وليس إلى نفسه .
9 الاعتراف بالفضل ولو إلى غلام صغير : ( أي بني أنت اليوم أفضل مني) .
10 كل من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وصدع بالحق لا بد من أن يبتلى ، وعليه بالصبر ، وله الأجر الكبير عند الله ، قال تعالى على لسان لقمان يوصي ولده (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) .
11 كل من أخطأ في تعبيره لا يترك في خطئه ، بل يبين له وجه الصواب ، لا سيما في عقيدة التوحيد ، فالغلام يقول للوزير : إني لا أشفي أحداً ، إنما يشفي الله تعالى ، وهذا مطابق لقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ).
12 إن لله رجالاً أقوياء بإيمانهم ، فمهما عذبوا لا يرجعون عن دينهم ، ولا يرضون الطغاة بكلمة فيها ضعف أو كفر ، ولو حرقوا ، أو نشروا أو أغرقوا وهو الأفضل وقد أشار إليهم الله سبحانه وتعالى بقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) ، وقد سمح الله للمؤمن أن ينطق بالكفر إذا أكره عليه فقال سبحانه وتعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .
13 لا بد لكلمة الحق أن تنتصر ، فالملك يعجز عن قتل الغلام ، ولا يتم له ذلك إلا بطريقة يرسمها الغلام للملك ، يعقبها إيمان الشعب وانحدار الملك ، ويتحقق قول الله تعالى : (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .
14 الغلام المؤمن يضحي بنفسه ليؤمن الناس ، وهذا شأن المؤمنين المخلصين يسعون لإنقاذ أمتهم ، ولو أدى ذلك إلى استشهادهم ، فهم إلى الجنة ذاهبون ، قال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) .
15 يثبت الله المؤمنين بالحجج البينات ، ويؤيد دينهم بالكرامات ، فهذا هو الرضيع ينطق (يا أمه إصبري فإنك على الحق) . والأم تستجيب لهذا الأمر ، وتلقي بنفسها مع طفلها صابرة محتسبة .
16 مصير المؤمنين إلى الجنة بعد موتهم ، ومصير هؤلاء الكفار الحرق في الدنيا ، وعذاب جهنم في الآخرة .
أبرص وأقرع وأعمى :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن ثلاثة في بني إسرائيل (أبرص وأقرع وأعمى) أراد الله أن يبتليهم (يختبرهم) فبعث إليهم ملكاً .
(يأتي الملك الرجل الأبرص) .
الملك : أي شئ أحب إليك ؟.
الأبرص : لون حسن ، وجلد حسن ، ويذهب عن الذي قد قذرني الناس .
( يمسحه الملك ، فيذهب عنه قذره ، ويعطي لوناً حسناً ، وجلداً حسناً) .
الملك : فأي المال أحب إليك ؟ .
الأبرص : الإبل .
( يعطي ناقة عشراء ( حاملاً)
الملك : بارك الله لك فيها .
(يأتي الملك الرجل الأقرع) .
الملك : أي شئ أحب إليك ؟ .
الأقرع : شهر حسن ويذهب عن الذي قذرني الناس .
(يمسحه الملك فيذهب عنه داؤه ويعطي شعراً حسناً) .
الملك : فأي المال أحب إليك ؟ .
الأقرع : البقر .
( يعطى بقرة حاملاً) .
الملك : بارك الله لك فيها .
(يأتي الملك الرجل الأعمى) .
الملك : أي شئ أحب إليك ؟ .
الأعمى : أن يرد الله إلى بصري ، فأبصر به الناس .
(يمسحه الملك ، فيرد الله إليه بصره )
الملك : فأي المال أحب إليك .
الأعمى : الغنم .
(يعطى شاة والداً حاملاً)
كان لهذا وادٍ من الإبل ، ولهذا وادٍ من البقر ، ولهذا وادٍ من الغنم) .
(يأتي الملك الرجل الأبرص في صورة أبرص)
الملك : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً أتبلغ عليه في سفري (أصل به إلى أهلي) .
الأبرص (في ضيق) : الحقوق كثيرة .
الملك (في استغراب) : كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص يقذرك الناس . فقيراً فأعطاك الله .
الأبرص ( في إنكار) : إنما ورثت هذا المال كابر عن كابر . (أباً عن جد) .
الملك : إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت .
(ثم يأتي الملك الرجل الأقرع في صورة أقرع )
الملك : رجل مسكين قد انقطعت بي الحبار في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي أعطاك الشعر الحسن والمنظر الحسن والمال ، بقرة أتبلغ بها في سفري .
الأقرع (في ضجر) : الحقوق كثيرة .
الملك (متعجباً) : كأني أعرفك ، ألم تكن أقرع يقذرك الناس ؟ .
الأقرع (في استكبار) : إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر ( أباً عن جد) .
الملك : إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت .
(يأتي الملك الرجل الأعمى في صورة أعمى) .
الملك : رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبار في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك ـ شاة أتبلغ بها في سفري .
الأعمى ( شاكراً معترفاً) : قد كنت أعمى فرد الله إلىّ بصري ، فخذ ما شئت ودع ما شئت ، فوالله لا أجهدك اليوم ( لا أعارضك) بشئ أخذته لله عز وجل .
الملك : أمسك مالك ، فإنما أبتليتم ( اختبرتم) فقد رضي الله عنك ، وسخط على صاحبيك .
من عبرة القصة وفوائدها :
3 اختبار الله لعباده ، سنة الله في أرضه ، كما أخبر الله به في كتابه .
4 الابتلاء يكون في الجسم والمال والأولاد وغيرها .
5 الملائكة تتصور أحياناً على هيئة البشر ، وتتكلم ، وتمسح على المريض فيبرأ بإذن الله .
6 لا شئ أحب للمبتلى بالمرض من ذهاب مرضه ومعافاته .
7 الله هو الذي يعطي ويمنع ، ويغني ويفقر ، بتقديره وحكمته .
8 من التوحيد والأدب أن تنسب الشفاء والغنى إلى الله وحده ( قد كنت أعمى فرد الله بصري) .
9 الإنسان الجاهل يبخل وقت الغنى ، والعاقل يعطى بسخاء متذكراً قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً .
10 بعض الأغنياء ينسون ماضيهم الفقير ويغضبون ممن يذكرهم به .
11 من شكر النعمة ، وأعطى الفقراء زاده الله غنى ، وبارك له ، ومن بخل فقد عرض نفسه لزوال النعمة وسخط الرب القائل : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) .
12 إنكار النعمة يجلب النقمة ، ويسبب الشقاء .
13 الكرم يجلب النعمة ويذهب بالنقمة ، ويرضي الرب ، والبخل يجلب السوء ويسخط الرب .
14 المؤمن يفي بما وعد ولا يبخل ، والمنافق يعاهد ويعد ، ولكن لا يفي بعهده ووعده ، كما قال الله تعالى عن المنافقين : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أئتمن خان) .
أصحاب الغار والصخرة :
عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم ، حتى آواهم المبيت إلى غار ، فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل ، فسدت عليهم الغار ، فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم)
قال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق (أقدم) قبلهما أهلاً ولا مالاً ، فنأى بي طلب الشجر يوماً (أبعدت) فلم أرح عليهما (فلم يرجع) حتى ناما ، فحلبت لهما غبوقهما (حصتهما) فوجدتهما نائمين ، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً ، فلبثت – والقدح في يدي – أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر ، والصبية يتضاغون عند قدمي (يصيحون) فاستيقظا فشربا غبوقهما (شرب اللبن) .
(اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة) .
فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منها)
وقال الآخر : اللهم إنه كانت لي إبنة عم كانت أحب الناس الىّ ، فأردتها على نفسها ، فامتنعت مني ، حتى ألمت بها سنة من السنين (أصابها جوع) فجاءتني ، فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخل بيني وبين نفسها ، ففعلت ، حتى إذا قدرت عليها ، قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، لا تقربني إلا بنكاح شرعي) فتحرجت من الوقوع عليها ، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركب الذهب الذي أعطيتها .
(اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه) .
فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها .
وقال الثالث : اللهم استأجرت أجراء ، وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب ، فثمرت (كثرت) أجره حتى كثرت منه الأموال ، فجاءني بعد حين ، فقال : يا عبدالله أد الىّ أجري ، فقلت : كل ما ترى من أجرك ، من الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال : يا عبدالله لا تستهزئ بي ، فقلت ، إني لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً .
(اللهم عن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه ) .
فانفرجت الصخرة ، فخرجوا يمشون .
من فوائد القصة :
قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، قال قتادة : تقربوا اليه بطاعته ، والعمل بما يرضيه .
1- الأعمال الصالحة وقت الرخاء يستفيد منها الإنسان وقت الشدة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحفظ الله يحفظك ، أحفظ الله تجده تجاهك ، تعرف إلى الله في الرخاء ، يعرفك في الشدة) .
2- يجب على المسلم أن يلجأ إلى الله وحده دائماً بالدعاء وخاصة حين نزول الشدائد ، ومن الشرك الأكبر دعاء الأموات الغائبين ، قال الله تعالى : (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) - الظالمين : المشركين .
3- مشروعية التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة ، وهي نافعة ومفيدة ، ولا سيما عند الشدة ، وعدم مشروعية التوسل بالذوات والجاه .
4- حب الله مقدم على حب ما تهوى النفوس من الشهوات .
5- من ترك الزنى والفجور خوفاً من المولى نجاه الله من البلوى .
6- من حفظ حقوق العمال حفظه الله وقت الشدة ، ونجاه من المحنة .
7- الدعاء إلى الله مع التوسل بالعمل الصالح يفتت الصخور .
8- بر الوالدين وإكرامهما على الزوجة والأولاد .
9- حق الأجير يحفظ له ، ولا يجوز تأخيره ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه) .
10- استحباب تنمية مال الأجير الذي ترك حقه ، وهو عمل جليل ، وهو من حق الأجير .
11- شرع من قبلنا هو شرع لنا إذا أخبر به الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم على طريق المدح ، ولم يثبت نسخه ، وهذه القصة قصها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدح هؤلاء النفر الثلاثة لنقتدي بهم في عملهم .
12- طلب الإخلاص في العمل حيث قال كل واحد ( اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه) .
13- إثبات الوجه لله سبحانه من غير تشبيه ، قال الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) .
وليمة جابر المباركة
عن جابر رضي الله عنه قال : ( كنا يوم الخندق نحفر ، فعرضت كدبة شديدة (صخرة) فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا هذه كدبة عرضت في الخندق .
الرسول صلى الله عليه وسلم : أنا نازل ، ( يقوم الرسول صلى الله عليه وسلم وبطنه معصوبة بحجر) .
قال جابر : ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذوقاً ( يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول ، فيضرب ، فيعود كثيباً أهيل ( تراباً ناعماً )
جابر : يا رسول الله أئذن لي إلى البيت .
جابر لأمرته ( متأثراً) : رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً (جوعاً) ، ما في ذلك صبر ، فعندك شئ ؟ .
المرأة : عندي شعير وعناق ( الأنثى من ولد الماعز) . يذبح جابر العناق ، وتطحن امرأته الشعير ، ثم يجيئ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
جابر لأمرأته : طعيم لي ( طعام قليل) فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان .
الرسول صلى الله عليه وسلم : كم هو ؟
جابر : سخلة وقليل من شعير .
الرسول صلى الله عليه وسلم : كثير طيب ، قل لها لا تنزع القدر ولا الخبر من التنور حتى آتي .
الرسول صلى الله عليه وسلم لصحبه : قوموا ، ( ويقوم المهاجرون والأنصار) .
جابر لأمرته ( في حيرة) ويحك قد جاء النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ومن معهم .
المرأة في دهشة : ( هل سألك) .
جابر : نعم .
الرسول صلى الله عليه وسلم : ادخلوا ولا تضاغطوا ( تزاحموا) يكسر الرسول الخبر ويجعل عليه اللحم ويغطي القدر والتنور إذا أخذ منه ، ويقرب إلى أصحابه ، ثم ينزع ، فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا وبقى منه .
الرسول للمرأة : كل هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم المجاعة .
من فوائد القصة :
1- مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم القائد جنده في حفر الخندق ، وعدم تميزه عليهم .
2- شكوى الصحابة لقائدهم من صخرة عجزوا عنها لما يعلمون من قوته ، فاستجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ، وفتت الصخرة مع شدة جوعه .
3- حب الصحابة لقائدهم ، وسعيهم لإطعامه وسد جوعه .
4- محافظة الصحابة على النظام ، وعدم الذهاب بدون إذن من القائد .
5- نساء الصحابة يتصفن بالإيثار والكرم والحب للرسول صلى الله عليه وسلم .
6- القائد المخلص لا يشبع وحده ، بل يدعو أصحابه معه .
7- الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالنظام ( ادخلوا ولا تضاغطوا) .
8- إكرام الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالمعجزة ، بتكثير الطعام حتى شبعوا جميعاً ومن حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يغطي القدر والتنور إظهاراً للبركة لا للإيجاد والخلق وهما من الله وحده ، محافظة على عقيدة الوحيد .
9- القائد العظيم في جنده أشبـة بالأب في أسرته ، يغرف لهم الطعام بيده ، ويقدمه بنفسه .
10- اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بأفراد أمته كاهتمامه بجنده ( كلي هذا وأهدي ، فإن الناس أصابتهم مجاعة) .
جوع الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم
يخرج رسول الله صلـى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد ، ويأتيه أبو بكر
الرسول صلى الله عليه وسلم : ما جاء بك يا أبا بكر ؟ .
أبو بكر رضي الله عنه : خرجت ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنظر في وجهه والتسليم عليه . ( فلم يلبث أن جاء عمر رضي الله عنه ) .
الرسول صلى الله عليه وسلم : ما جاء بك يا عمر ؟
عمر رضي الله عنه : الجوع يا رسول الله .
الرسول صلى الله عليه وسلم : وأنا قد وجدت بعض ذلك .
( ينطلقون إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري ، وكان رجل كثير النخل والشاة ولم يكن له خدم فلم يجدون )
الجماعة (لأمرأته) : أين صاحبك ؟
المرأة : انطلق يستعذب لنا الماء . ( فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة ماء عذب فوضها ، ثم جاء يلتزم النبي صلى الله عليه ورخم ويفديه بأبيه وأمه ، انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطاً ، ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو (عنقود البلح) فوضعه)
النبي صلى الله عليه وسلم : أفلا تنقيت لنا من رطبة .
أبو الهيثم : يا رسول الله إني أردت أن تختاروا من رطبه وبسره (حلوه ومره) .
(الرسول وصاحباه يأكلون منه ويشربون)
رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ، ظل بارد ، ورطب طيب ، وماء بارد .
(ينطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاماً) .
النبي صلى الله عليه وسلم : لا تذبحن لنا در ( حليب)
(يذبح لهم عناقاً أو جدياً ويأتيهم () بها فيأكلون) .
النبي صلى الله عليه وسلم : هل لك خادم ؟
أبو الهيثم : لا .
النبي صلى الله عليه وسلم : فإذا أتانا سبى ( أسرى) فأتنا ( يأتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم (خادمان) ليس معهم ثالث ، فيأتيه أبو الهيثم .
النبي صلى الله عليه وسلم : اختر منهما .
أبو الهيثم : يا رسول الله اختر لي .
النبي صلى الله عليه وسلم : إن المستشار مؤتمن ، خذا هذا فإني رأيته يصلى واستوص به معروفاً . ( ينطلق أبو الهيثم فيخبر زوجته بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
المرأة : ما أنت ببالغ حق ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا بأن تعتقه .
أبو الهيثم : فهو عتيق (حر) .
النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان ، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، وبطانة لا تألوه خبالاً ( إلا تقصر في إفساده) ومن يوق بطانة السوء فقد وقى ( أي حفظ) .
من فوائد القصة
1- الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحباه يعانون الجوع ، ويسعون لسده بطريقة مشروعة .
2- يجوز للرجل أن يذهب إلى بيت صاحبه لتناول الطعام بدون دعوة إن كان يعلم سعة حاله ، وطيب نفسه .
3- التنبيه على فضل النعمة مهما كانت ، والحث على شكر خالقها ، وعدم الانشغال بها عن المنعم ، قال الله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) .
4- إذا رأى الضيف إكراماً زائداً من صاحب البيت ، فخضي وقوعه في خطأ نصحه برفقه كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تذبحن لنا ذات در) – أي ذات لبن - .
5- المكافأة على المعروف مطلوبة ، فرسول الكرم يكافئ صاحب البيت ويعده بخادم .
6- لا يحتاج أبو الهيثم إلى وساطة لطلب الخادم ، فعندما يلتقي الرسول به وقد جاءه خادمان ، فسرعان ما يقول له : ( اختر منهما) .
واذا طلبت إلى كريم حاجة فلقاؤه يكفيك والتسليم
7- العاقل يستشير من هو أتم نظراً : ( يا رسول الله إختر لي ) .
8- الصلاة علامة التقوى : ( خذ هذا فإني رأيته يصلي) .
9- وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالخدم لا سيما المصلين : ( استوص به معروفاً)
10- حب الصحابة لتحرير الأرقاء ، وموافقته لزوجته الصالحة على إعتاقه .
11- علـى المسلم العاقل أن ينتقي أصحابه من أهل الصلاح ليذكروه بالخير ، ويشجعوه عليه ، وأن يبتعد عن قرناء السوء كيلا يذكروه بالشر ويحسنوه إليه ، وكذلك شأن الزوجة الصالحة والشريرة لها تأثير على الزوج .
12- جواز المعانقة لغير القادم من سفر .
جرة الذهب
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشترى رجل من رجل عقاراً له (أرضاً) فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب !!
المشتري (للبائع) : خذ ذهبك مني ، إنما اشتريت منك الأرض ، ولم أشتر منك الذهب !!
البائع (ممتنعاً) : إنما بعتك الأرض وما فيها . – يحتكمان إلى رجل - .
الحكم : الكما ولد ؟
أحدهما : لي غلام .
الآخر : لي جارية .
الحكم : أنحكوا (زوجوا) الغلام للجارية وأنفقوا عن أنفسكما منه ، وتصدقا .
من فوائد القصة
1- أداء الأمانة مطلوب لقول الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) .
2- القناعة كنز لا يفنى تعود بالخير والبركة على صاحبها .
3- مشروعية الاحتكام إلى عالم بالكتاب والسنة ، دون الذهاب إلى المحاكم المدنية التي تضيع الأموال والأوقات عملاً بقول الله تعالى : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
4- من رضي بما أعطاه الله كان من أغنى الناس لقوله صلى الله عليه وسلم :-
أ- وأرض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس) .
ب- ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس .
5- الرزق مقسوم ، لا بد أن يصل إليك في وقته ومقداره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت) .
6- على المسلم أن يقنع بالحلال ، ويترك الحرام والطمع فيما ليس له ، ويأخذ بالأسباب المشروعة للرزق ، وأن العمل الصالح يكفل له السعادة في الدنيا والآخرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله وأحملوا في الطلب) .
7- الحكم العادل يرضي المحتكمين .
8- عدم الطمع فيما ليس للإنسان .
الأمانة في الخشبة العجيبة
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه (يقرضه) الف دينار .
المقرض : أئتني بالشهداء أشهدهم .
المقترض : كفى بالله شهيداً .
المقرض : فإئتني بالكفيل .
المقترض : كفى بالله كفيلا .
المقرض : صدقت .
(يدفع الرجل للمقترض الألف دينار إلى أجل مسمى ، فيخرج بها في البحر ، فإذا قضى حاجته ، التمس مركباً يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله ، فلم يجد مركباً ، فيأخذ خشبة فينقرها ، فيدخل فيها ألف دينار !! وصحيفة منه إلى صاحبه ، ثم يزجج موضعها (يسده) ثم يأتي بها إلى البحر) .
المقترض (آسفاً) : اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلاناً (اقترضت منه) الف دينار ، فسألني كفيلاً ، فقلت ، كفى بالله كفيلا ، فرضي بك ، وسألنا شهيداً ، فقلت : كفى بالله شهيداً ، فرضي بك ، وإني جهدت (بذلت جهدي) أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له ، فلم أقدر ، وإني استودعكما ؟ (أضعها أمانة عندك) .
(يرمي المقترض بالخشبة في البحر حتى تلج فيها (تجري) ثم ينصرف وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده ، فيخرج الرجع الذي كان أسلفه ينظر ، لعل مركباً قد جاء بماله ، فإذا بالخشبة التي فيها المال !!
فيأخذها لأهله حطباً .. فلما نشرها وجد المال والصحيفة !!! ثم يقدم الذي كان أسلفه فيأتي بالألف دينار من جديد .
المقترض : والله ما زلت جاهداً في طلب مركب لأتيك بمالك ، فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه .
المقرض : هل كنت بعثت إلى بشئ .
المقترض : أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه .
المقرض : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة .
فانصرف بالألف الدينار راشداً .
من فوائد القصة :
1- القرض الحسن مشروع والمقرض له أجر عظيم .
2- مشروعية كتابة الدين ، ووقت أدائه ، والإشهاد عليه حفظاً للحقوق .
3- للمقرض أن يأخذ رهناً ، أو كفيلاً من المستقرض ليحفظ حقه من الضياع .
4) لصاحب الدين أن يرضى ممن عليه الدين بشهادة الله وكفالته ، اذا لم يجد شهداء ، أو كفيلاً .
5- على المسلم أن يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعقلها وتوكل) .
فالمقترض ينقر الخشبة ، ويضع الدنانير فيها ، ويسدها ، ثم يدعو الله متوكلاً عليه .
6- من رضي بالله شهيداً ، أو كفيلاً كفاه ، وحفظ لـه حقه فالمقترض حينما رضي بالله شهيداً وكفيلاً رد عليه ماله .
7- على المسلم العاقل ألا يكتفي بالأسباب الغيبية وحدها ، بل يأخذ بالأسباب الحسية ، فالمقترض لم يكتف بما أرسله للمقرض في الخشبة ، بل أتى بالدنانير من جديد حينما وجد سفينة تحمله إلى صاحب الدين ، ولكن المقرض أخبره بأن الله أدى عنه بما أرسله في الخشبة .
8- على المقترض أن يبذل جهده ويسلك كل السبل لوفاء دينه في وقته المحدد .
9- إذا أحسن المسلم النية وفقه الله لأداء دينه .
10- أداء الحقوق ، ووفاء الدين واجب ، لا يجوز تأخيره ، إذا لم يوفه في الدنيا ، فسوف يدفعه يوم القيامة من حسناته ، وربما كان سبباً في دخوله النار .
صوت سحابة
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما رجل بفلاة من الأرض ، فسمع صوتاً في سحابة : ( إسق حديقة فلان) فتنحى ذلك السحاب ، فأفرغ ماءه في حرة (أرض ذات حجارة سوداء) فإذا شرجة ( ساقية) من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ، فتتبع الماء ، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته ( مجرفته) .
الرجل (لصاحب الحديقة) : يا عبدالله ، ما إسمك ؟ .
صاحب الحديقة : إسمي فلان ، للاسم الذي سمع في السحابة .
فقال له : يا عبدالله لم تسألني عن إسمي ؟
الرجل : إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه ! يقول : إسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها ؟ .
صاحب الحديقة : أما إذا قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها ، فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثاً ، وأرد فيها ثلثه .
وفي رواية : أجعل في المساكين والسائلين وابن السبيل .
من فوائد القصة :
1- تسخيـر الله الملائكة والمطر لعباده المتصدقين الذين يؤدون حقوق الفقراء من أموالهم .
2- التصدق على الفقراء يؤدي إلى زيادة الرزق ، قال الله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إحفظ الله يحفظك ، إحفظ الله تجده تجاهك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) .
3- المؤمن العاقد يحفظ حق الفقراء ، وحق عياله ، وحق حديقته .
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
1 إبراهيم يأتي بإسماعيل إلى مكة .
2 أم إسماعيل تخاف على ولدها .
3 أم إسماعيل تبحث عن ماء .
4 ماء زمزم ينبع .
5 إبراهيم والمرأة الأولى .
6 إبراهيم والمرأة الثانية .
7 الخليل يلتقي بإسماعيل .
8 بنيان البيت العتيق .
9 من عبر القصة وفوائدها .
هاجر وولدها إسماعيل :
لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان ( من أمر الغيرة بين زوجته الحرة سارة العقيم وبين هاجر أم ولده إسماعيل) ، وأمر الله إبراهيم أن تسكن هاجر وإبنها الحجاز ، جاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم بأم إسماعيل ( هاجر ) وبإبنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت تحت دوحة (شجرة) فوق زمزم من أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذٍ أحد ، وليس بها ماء ، ووضع عندهما جراباً (كيساً) فيه تمر وسقاء (قربة) فيه ماء .
(يرجع إبراهيم منطلقاً ، فتتبعه أم إسماعيل) .
هاجر : أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شئ ؟
(جعلت هاجر تقول ذلك لإبراهيم مراراً وهو لا يلتفت إليها) .
هاجر : آلله آمرك بهذا ؟
إبراهيم : نعم .
هاجر : إذاً لا يضيعنا الله ..
(ترجع هاجر وينطلق إبراهيم عليه الصلاة والسلام حتى إذا كان عند الثنية (مكان بمكة) حيث لا يرونه يستقبل بوجه البيت .
إبراهيم (داعياً) : ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادي غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل أفئدة من الناس تهوي ا ليهم ، وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون .
أم إسماعيل تبحث عن الماء : جعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ولدها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ، فتنطلق كراهية أن تنظر إلى طفلها وهو يكاد يموت عطشاً فتجد الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فتقوم عليه . ثم تستقبل الوادي ، تنظر هل ترى أحد، فلم تر أحد ، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ( ثوبها) ثم تسعى سعي الإنسان المجهود (المتعب) حتى تجاوزت الوادي ، ثم تأتي المروة فتقوم عليها علها ترى أحد .. فلا ترى أحد ، وفعلت ذلك سبع مرات.
قال ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( فذلك سعي الناس بينهما) .
ماء زمزم ينبع : تشرف هاجر آخر مرة على المروى فتسمع صوتاً ، فتقول ، صه .. (تريد نفسها) ثم تسمعت فسمعت أيضاً) .
هاجر (لنفسها) : قد أسمعت إن كان عندك غواث ( إغاثة فأغث) فإذا هي بالملك عند موضع زمزم يبحث بعقبه (بجناحه) حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه ( تجعله حوضاً) وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف ، (فتشرب وترضع ولدها) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت زمزم عيناً معيناً ( تجري على وجه الأرض) .
الملك : لا تخافوا ضيعة (هلاكاً) فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله . ( وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله.)
نزول جرهم قرب الماء : تبقى هاجر حتى تمر بها رفقة من جرهم ينزلون أسفل مكة فيرون طائراً عائقاً (يحوم) ، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على ماء ، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا جرباً (رائداً) فإذا هم بالماء ، فرجعوا فأخبروهم بالماء ، فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء .
جرهم : أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟
هاجر : نعم ، ولكن لا حق لكم بالماء .
جرهم : نعم .
(تنزل جرهم عند هاجر ويرسلون إلى أهليهم فينزلون معهم)
قال ابن عباس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فألفى (وجد) ذلك الحي أم إسماعيل تحب الأنس) .
إبراهيم وامرأة إسماعيل الأولى : (بعد نزول جرهم عند هاجر ، شب إسماعيل بينهم ، وتعلم العربية منهم وأنفسهم – سبقهم – وأعجبهم حين شب ، فلما بلغ أشده زوجوه إمرأة منهم ، وماتت أم إسماعيل ) .
يجئ إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته ( يتفقد أسرته) فلا يجد إسماعيل في البيت بل وجد زوجته .
إبراهيم : أين إسماعيل ؟
المرأة : خرج يبتغي لنا ( يطلب الرزق) .
إبراهيم : كيف عيشكم وحالكم ؟
المرأة ( في اشمئزاز) : نحن بشر !! نحن في ضيق وشدة ، وشكت إليه !!
إبراهيم : إذا جاء زوجك فأقرئي عليه السلام ، وقولي له : غير عتبة بابه (زوجته) .
يأتي إسماعيل كأنه آنس شيئاً .
إسماعيل (مستغرباً) : هل جاءكم أحد ؟
زوجته (في احتقار) : نعم جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسألنا عنك ، فأخبرته ، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد ، !
إسماعيل : فهل أوصاك بشئ ؟
زوجته : نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ، ويقول : غير عتبة بابك .
إسماعيل : ذاك أبي ، وقد أمرني أن أفارقك ، الحقي بأهلك ، وطلقها .
إبراهيم والمرأة الثانية : يتزوج إسماعيل من جرهم إمرأة أخرى ، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ، ثم أتاهم بعد فلم يجده ، فيدخل على إمرأته فيسأل عنه .
إبراهيم : أين إسماعيل ؟
المرأة : ذهب يبتغي لنا ( الطعام من صيد وغيره) .
إبراهيم : كيف عيشكم .
المرأة : نحن بخير وسعة .
إبراهيم : وما طعامكم وشرابكم ؟
المرأة : طعامنا اللحم وشرابنا الماء .
إبراهيم : اللهم بارك لهم في اللحم والماء ، فإذا جاء زوجك فأقرئي عليه السلام ومريه أن يثبت عتبة بابه .
الرسول صلى الله عليه وسلم : بركة بدعوة إبراهيم صلى الله عليهما وسلم .
يجيئ إسماعيل
إسماعيل )مستغرباً) : هل أتاكم أحد ؟
الزوجة (في فرح( : نعم أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه ، فسألني عنك فأخبرته ، فسألني عيشنا ؟ فأخبرته أنّا بخير .
إسماعيل : فأوصاك بشئ ؟
الزوجة : نعم : يقرأ عليكم السلام ، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك .
إسماعيل : ذاك أبي : وأنت العتبة ، وأمرني أن أمسكك .
الخليل يلتقي بإسماعيل :
يلبـث إبراهيـم عنهـم مـا شاء الله ، ثم يجئ بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة ]شجرة[ قريبة من زمزم يراه إسماعيل فيقوم إليه ويتعانقان .
بنيان البيت :
إبراهيم (في عزم) : يا إسماعيل إن الله يأمرني بأمر .
إسماعيل : فأصنع ما أمرك الله .
إبراهيم : وتعينني ؟
إسماعيل : وأعينك .
إبراهيم : فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً ، وأشار إلى أكمة (تلة) مرتفعة على ما حولها .
عند ذلك رفعا القواعد من البيت وجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر (المقام) فوضعه لـه ، فقام وهو يبني ، وإسماعيل يناوله الحجارة .
إبراهيم وإسماعيل : (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
من فوائد القصة :
1- المؤمن يستسلم لأوامر الله ، ويؤثر طاعته ومحبته على كل شئ ، ولو كان الزوجة الصالحة أو الولد الوحيد .
فإبراهيم ينفذ أمر الله تعالى حينما أمره أن يحمل زوجته (هاجر) وولدها الرضيع (إسماعيل) إلى واد غير ذي زرع ، ولا ماء ولا أنيس .
2- المرأة الصالحة تستجيب لأمر الله ، وطاعة زوجها مع الصبر والإيمان بالله قائلة : (اذاً لا يضيعنا الله) .
3- إبراهيم يترك زوجته الوفية ، وولده الصغير في الوادي بعد أن زودهم بكيس من التمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم دعا لهم : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادي غير ذي زرع عند بيتك المحرم) . وبذلك يعلمنا إبراهيم عليه السلام أن نجمع بين الدعاء والأخذ بالأسباب .
4- أم إسماعيل تبحث عن الماء عندما نفد من عندها ، وتأخذ بالأسباب وتسعى بين الصفا والمروة عدة مرات حتى وجدت الماء (زمزم) .
5- يجوز للإنسان إذا سمع صوتاً أن يطلب الغوث والعون كما فعلت أم إسماعيل وهذا من مقدور المخلوق أن يفعل ذلك ، بخلاف الميت والغائب .
6- إن الله اصطفى آل إبراهيم ، وجعل من ذريته الأنبياء والمرسلين ، فكيف يرضى إبراهيم لولده إسماعيل بزوجة لا تحيا بروحها ، بل تعيش لجسدها ، ولا يهمها إلا الطعام والشراب ، فتزدري ضيفها أبا زوجها ، فتجحد نعمة ربها ، وتشكو سوء معيشتها ، لذلك أشار إبراهيم على ولده إسماعيل بفراقها ، والتخلص منها .
7- الزوجة الثانية لإسماعيل صالحة ، تحترم ضيفها ، وتشكر نعمة ربها ، لذلك يشير إبراهيم على ولده إسماعيل بإمساكها ورعايتها .
8- الطاعة والصبر عاقبة محمودة ، وذكرى خالدة ، فالمكان الموحش الذي نزلت في هاجر أم إسماعيل ، وهو مجدب يصبح فيما بعد حرماً آمناً ، وبلداً مسكوناً ، فيه ماء مبارك )زمزم) تهوي إليه أفئدة الناس ، وتأتيه الثمرات ، وتقصده الوفود للحج من كل فج عميق ، ليستفيدوا في حل مشاكلهم ويشهدوا المنافع الدنيوية والآخروية .
أرض التوبة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم أنه قال : ( كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدل على راهب ، فأتاه) .
القاتل (نادماً) : إني قتلت تسعة وتسعين نفساً ، فهل لي من توبة ؟ .
الراهب (في غباوة وجهل) : لا .
الرجل يقتل الراهب فيكمل به المائة .
ثم يسأل عن أعلم أهل الأرض ، فيدلونه على رجل عالم .
القاتل : إني قتلت مائة نفس ، فهل لي من توبة ؟ .
العالم ( في ثقة) : نعم ، ومن يحول بينك وبين التوبة !! انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فأعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء .
(ينطلق الرجل حتى إذا نصف الطريق ]وصل نصفه[ أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب) .
ملائكة الرحمة : جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى .
ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيراً قط .
(يأتيهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم) .
الملك (يحكم) : قيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له .
(الملائكة تقيس ما بين الأرضين فتجد التائب أقرب إلى الأرض التي أرادها بشبر ، فتقبضه ملائكة الرحمة) .
من فوائد القصة :
قال الله تعالى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .
1- المذنب لا ييأس من رحمة الله ، ولو ملأ الأرض ذنوباً ، بل يجب عليه أن يتوب إلى ربه حالاً ، قال الله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} .
2- لا بد للجاهل من سؤال عالم بالكتاب والسنة حتى يحل مشكلاته .
3- لا يجوز للعابد أن يفتي الناس إذا كان جاهلاً ، ولو تزيا بزي العلماء ، فإن ضرره أكثر من نفعه ، وقد يعود بالوبال عليه كما في هذه القصة ، ولو كان هذا الراهب عالماً لما سد باب التوبة على من سأله ، ولما عرض نفسه للقتل .
4- العالم : هو الذي يفتح للناس باب التوبة ، ويغلق باب القنوط من الرحمة ، فهو كالطبيب يأخذ بيد المريض نحو الشفاء ، ويفتح له باب الرجاء) .
5- على المذنب إذا أراد توبة أن يهجر أصحابه الذين اشترك معهم في الذنب ، وأن يهجر الأماكن التي يرتادها للمعصية .
6- على التائب أن يرافق الصالحين ليعتاد فعل الطاعات وترك السيئات ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل) .
7- التحاكم إلى عالم بالكتاب والسنة مشروع عند الاختصام .
8- لا تحتقر مذنباً مهما فعل ، لأنك لا تدري بم يختم له : ففي الحديث : ( أن الرجل ليعمل عمل الجنة فيما يبدو للناس ، وهو من أهل النار ، وأن الرجل ليعمل عمل النار فيما يبدو للناس ، وهو من أهل الجنة ) - زاد البخاري ( وإنما الأعمال بخواتيمها) .
أهمية خطبة الحاجة وتأثيرها على النفوس
يقدم رجل من (أزد شنوءة) يدعى ( ضمان بن ثعلبة الأزدي) وكان يرقي من هذه الريح ]مس الجن[ فسمع إشاعة :
سفهاء مكة (يشيعون) : إن محمداً مجنون .
ضمان ( في نفسه : لو أني أتيت هذا الرجل ، لعل الله يشفيه على يديّ .
(ويلقى ضماد محمداً صلى الله عليه وسلم) .
ضماد ( ناصحاً) : يا محمد ، إني أرقي من هذه الريح ]الجنون[ وإن الله يشفي على يدي من شاء ، فهل لك ؟ (أي هل لك رغبة في رقيتي؟) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هاد لـه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه ، وأن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
ضماد (متأثراً) : أعد عليّ كلماتك هؤلاء . (يعيد الرسول صلى الله عليه وسلم خطبته ثلاث مرات) .
ضماد : لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء ، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ، ولقد بلغن قاموس البحر ]وسطه ، ولجته[ هات يدك أبايعك على الإسلام . ( يبايع ضمان الرسول صلى الله عليه وسلم) .
الرسول صلى الله عليه وسلم (مستفهماً) : وعلى قومك ؟
ضماد : وعلى قومي (أبايعك على قومي)
(يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيمرون على قومه)
صاحب السرية (للجيش) : هل أصبتم هؤلاء شيئاً ؟
رجل من القوم : أصبت منهم مطهرة ( وعاء للوضوء) .
صاحب السرية : ردوها ، فإن هؤلاء قوم ضمان .
من فوائد الحديث والقصة :
1- العرب